هل يمكن أن تستمر المعجزة الاقتصادية في الصين؟

الاقتصاد الصيني أظهر مرونة أكبر في مواجهة الأزمات (رويترز)

يجادل توماس أورليك، كبير الاقتصاديين في وكالة بلومبيرغ، في كتاب جديد بأن الصين هي “الفقاعة التي لا تنفجر أبدا”.

وقالت مجلة “إيكونوميست” (economist) البريطانية في تقرير لها إن أولريك في كتابه “الصين: الفقاعة التي لا تنفجر أبدا”، يقدم وصفا عادلا بشكل غير مألوف لمرونة الصين الاقتصادية المثيرة للاهتمام من الناحية التحليلية، والتي تمت متابعتها عن كثب.

ولحسن حظ أورليك -تقول المجلة- فإن تعريفه للفقاعة الصينية يترك له مجالا للمناورة، إنه لا يشير إلى أي سوق أو هوس معين، مثل الهوس الذي دار حول أسهم التكنولوجيا هذا العام؛ بل إلى الزخم الاقتصادي الصيني المقاوم للأزمات، والذي نجا من تنبؤات لا حصر لها بالانهيار.

وحتى الآن، هذه القوة التي لا يمكن منعها تتعافى بسرعة مذهلة من جائحة كورونا ( كوفيد -19).

وعلى الرغم من أن أورليك لا يعتمد بشكل كبير على النظرية الاقتصادية لتبرير ثقته؛ إلا أنه يستمد بعض الطمأنينة منها، تقول المجلة.

فقاعة لا تنفجر
تبدو الفقاعة التي لا تنفجر أبدا من النوع، الذي يجب أن تستبعده قوانين الاقتصاد، وفي الواقع -يقول التقرير- لطالما فكر المنظرون في إمكانية وجود فقاعات مستدامة، مستوحاة من أعمال اثنين من الفائزين بجائزة نوبل، بول سامويلسون عام 1958، وجان تيرول عام 1985.

لقد أظهر سامويلسون وتيرول أن الفقاعات يمكن أن تستمر عندما يتجاوز معدل نمو الاقتصاد باستمرار سعر الفائدة. وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن تظل الفقاعة جذابة ومعقولة التكلفة، مما يغري المشترين، الذين تحتاجهم لدعم نفسها دون تقزيم الاقتصاد.

ولنفترض، على سبيل المثال، أن العمال في كل جيل يستثمرون جزءا من دخلهم في أصل عديم الفائدة جوهريا، مثل شقة فارغة يخططون لبيعها عند تقاعدهم؛ ونظرا لأن كل مجموعة لديها نفس الخطة، فإن كلا منهم سوف يجد مشترين من بين أحفاد الأصول الذين اشتروها من أجدادهم. نظرا لأن جيلا آخر “دائما ما يأتي”، على حد قول سامويلسون، فلا داعي لكسر هذه السلسلة أبدا.

وإذا كان الاقتصاد ينمو، فسيكون لكل جيل دخل ينفقه على الأصول أكثر من الجيل الذي سبقه، وهذا من شأنه أن يسمح للبائع بأن يكسب عائدا إيجابيا.

وإذا تجاوز معدل نمو الاقتصاد سعر الفائدة، فإن هذا العائد سوف يكون أعلى مما قد تقدمه أساليب الادخار الأخرى، مثل الودائع المصرفية، يقول تقرير مجلة الإيكونوميست.

حسب مجلة الإيكونوميست الصين تتعافى بسرعة مذهلة من جائحة كورونا (غيتي إيميجز)

إدارة التباطؤ الاقتصادي
ووفقا لبحث أعده كل من كيجي تشين من جامعة إيموري ويي وان من بنك الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس عام 2014، فمن الممكن أن تظهر فقاعة دائمة.

وينصّ هذا النموذج على أن رأس المال الخاص يمكن أن يحقّق عوائد مذهلة طالما أنه يستطيع أن يحصد أرباحا من اليد العاملة الرخيصة المهاجرة من الحقول إلى المصانع أو من الشركات المملوكة للدولة إلى الشركات الخاصة، مما يمنح رواد الأعمال الإمكانيات المالية للمغامرة بمبالغ كبيرة في سوق العقارات.

وفي الوقت ذاته، هم على دراية بأن مردودية أعمالهم ستنخفض في النهاية عندما تصبح اليد العاملة قليلة، وهذا يدفعهم لتوزيع ثرواتهم على مجالات أخرى ذات قيمة، مثل العقارات.

وأضافت المجلة أنه وفقا لهذا السيناريو، ستواكب أسعار العقارات معدل العائد الذي يحققه رأس المال الريادي، والذي يعد أعلى من معدل نمو الاقتصاد ككل.

وعندما يصبح العثور على العمال أكثر صعوبة، ستتضاءل تدريجيا وبشكل متزامن عائدات رأس المال والممتلكات.

وفي الفصول اللاحقة من الكتاب، يشرح أورليك كيف تمكنت الصين من إدارة هذا التباطؤ.

وتجدر الإشارة إلى أن الصين بدأت عام 2016، وهي في حالة هشة، كما كان العاملون في تطوير العقارات يحتفظون بقوائم جرد هائلة من الشقق غير المباعة، ويدينون بمبالغ هائلة لمقرضي الظل، وعانت الصين أيضا من القدرة المفرطة في الصناعات الحليفة، مثل الحديد، والتي هددت بإغراق الاقتصاد في حالة من الانكماش المالي.

وفي هذا الشأن، ينبغي التساؤل عن كيفية تعامل الصين مع هذا الوضع، وتكمن الإجابة في النقاط الخمس التالية؛ وهي:

إعادة هيكلة الاقتصاد وتعديله.
إعادة تمويل الأصول والخصوم والتناوب عليها وشطبها.
أعادت الصين تعديل تركيبة النشاط دون تقليل وتيرته.
تقليل الإنفاق على المناجم الجديدة ومصانع الحديد، بينما خصّصت ميزانية أكبر للبنية التحتية.
أعيد تمويل المشاريع الممولة بقروض بنكية قصيرة الأجل وعالية الفائدة بسندات منخفضة العائد أصدرتها الحكومات المحليّة.

عملية التنظيف
أشارت المجلة إلى أن الصين ألغت أيضا القروض المعدومة (بما في ذلك القروض من نظام الظل المصرفي) والعديد من الأصول المادية. علاوة على ذلك، أُغلقت المناجم القديمة، ووقع تطهير الأحياء الفقيرة، ومنح الأسر النازحة مبالغ مالية لمساعدتهم على شراء شقق جديدة، وهي مجهودات وقع تمويلها في أغلب الأحيان بقروض موجهة من البنك المركزي.

وأدت التراخيص وعمليات الإغلاق والشطب إلى خفض الثروة المتأتية من الاقتصاد؛ لكنها لم تقطع تدفق الأنشطة الجديدة.

وفي الواقع -تقول المجلة- أدى مزيج الأموال الجديدة التي ضُخت في الاقتصاد، والطاقات القديمة التي أزيلت منه إلى رفع الأسعار، وتسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي؛ مما أدى بدوره إلى إعادة الفجوة بين النمو وأسعار الفائدة وسهّل دعم مستويات الديون.

وأوضحت المجلة أن عملية التنظيف هذه استفادت من بعض نقاط القوة غير المعتادة في الصين، بما في ذلك مدى نفوذ الجهات الرقابية ومرونة قوتها العاملة.

وعلى سبيل المثال، واكب العمال تركيبة النشاط المتغيرة؛ لكنها كانت تركيبة متوافقة مع بعض المبادئ الاقتصادية، التي يمكن أن تطبّق في أي مكان.

كما أظهر الضغط الانكماشي المالي، الذي واجهته الصين في هذه الفترة الخطرة أن هناك مجالا لتحفيز الاقتصاد، ولأن أسعار الفائدة كانت أقل من معدلات النمو، كان بإمكانها تحمل أي التزامات لم تجرؤ على شطبها.